الناس وعقد الألماس
قبل سنوات، قرأت قصة طريفة عن امرأة بسيطة كانت صديقة مقربة لسيدة ثرية. في أحد الأيام، قررت صديقتنا البسيطة أن تحضر حفل زفاف مهم، وأرادت أن تظهر بمظهر لافت يناسب المناسبة. لذلك، طلبت من صديقتها الثرية أن تعيرها عقدها الألماس ليناسب فخامة المناسبة.
لم تتردد صديقتها الغنية في إعطائها العقد، لكن، كما يحدث في الأفلام، لم تسر الأمور كما خطط لها، فبعد انتهاء الحفلة اكتشفت أن العقد قد اختفى! هل يمكنك تخيل حالتها؟
عادت إلى البيت وهي في حالة ذعر تام، وأخبرت زوجها بما حدث. كانت تشعر وكأن الأرض تتزلزل تحتها، فاقترح الزوج حلاً قد يبدو منطقياً أو حتى جنونياً: "دعينا نشتري عقداً بديلاً مهما كلف الأمر!" ذهب الزوجان إلى متجر المجوهرات وسألا عن سعر العقد، وصُعقا عندما اكتشفا أنه يعادل تقريبًا ثمن بيتهما! هنا بدأ الزوجان في بيع ممتلكاتهما وجمع الأموال لتسديد ثمن العقد ، وبعد شهور من المعاناة، نجحا في شراء العقد البديل.
وبعد كل هذه التضحيات، عادت المرأة إلى صديقتها لتعترف بما حدث وتعيد العقد. لكن المفاجأة كانت أن صديقتها الغنية ضحكت وقالت لها: "أوه، هذا العقد كان تقليدًا! العقد الحقيقي ما كنت لأعطيه لأحد!"
مثل هذه المواقف تنطبق على الكثيرين منا. نحن غالبًا نعيش تحت وطأة ضغوط غير مبررة. ونلزم أنفسنا بما لا يلزمنا،
على سبيل المثال، قد يختار البعض منا أن يكلف نفسه ما لا يطيق نفسيا وماديا لأنه يعتقد أن الناس تتوقع منه ذلك يختار تخصص دراسي لا يحبه ولا يناسبه لأنه يناسب توقعات المجتمع ،أو يركب سيارة تتفق مع توقعات الناس منه ، أو يفرض على أولاده أسلوب حياة معين لارضاء الناس حتى لوكان على حساب راحته الشخصية هو وأسرته أو فوق طاقته .
كيف تؤثر توقعات الآخرين علينا ؟
غالبا ما نراعي توقعات الآخرين لأننا نريد الحفاظ على علاقاتنا بهم و نرغب في الانسجام معهم . ورغم أن مراعاة مشاعر الآخرين والتوافق معهم أمر مهم و إيجابي، إلا أن رسم تحركاتنا دائما بناء على توقعاتهم التي قد لا تناسبنا ، وأن نتصرف بناءً على ما يطلبه الجمهور أمر لا يقبله عقل ولا منطق ولا دين ، فما يناسبك لا يناسبني بالضرورة ، الأمر الذي يؤدي إلى ضغط نفسي و توتر كبير،
و المصيبة الكبرى أن لا أحد يكون مرتاحًا في النهاية ، فكما تقول العرب: "إرضاء الناس غاية لا تدرك."
والحقيقة أن الناس غالبًا لا يهتمون بقدر ما نظن، لذلك، عندما تجد نفسك تقلق بشأن ما إذا كان الآخرون سيحكمون عليك، تذكر أن اهتمامهم بك قد يكون أقل مما تتوقع.
وحتى إن كانوا يهتمون ، فما قيمة توقعاتهم اذا كنت ستتحمل نتيجتها السيئة أنت وحدك .
كيف نتخلص من الضغوط الناجمة عن توقعات الآخرين؟
حدّد بوصلتك ، أين تريد ، ماهو المهم في حياتك ؟
قف للحظة ، و اسأل نفسك : ما هي أولوياتي ؟ وما هي قيمي في الحياة ؟ كيف أوازن بين ما يناسبني وما يحفظ للآخرين حقوقهم؟
ما هي تكلفة فقدان سيطرتي على حياتي ؟ والسير على غير هدىً وفق ما يحدده لي الناس ؟
إن العيش وفق قيمك الشخصية يعني أن كل قرار تتخذه يعكس قناعاتك وقيمك.
و هذه القيم هي البوصلة التي توجه حياتك نحو ما هو مهم فعلاً بالنسبة لك.
عندما تتخذ قرارات مبنية على ما تؤمن به، ستشعر بأن حياتك أكثر توازنًا، وتقل الضغوط التي قد تشعر بها لإرضاء الآخرين.
في النهاية، دعونا نتذكر أن توقعات الآخرين قد تكون مثل العقد المقلد: لامعة وتخطف الأنظار، لكنها تخنقنا و تكلفنا أكثر مما تفيدنا . عش وفق قيمك وقناعاتك، هذا هو السبيل لتحقيق حياة أكثر سلامًا واتزانًا، وتحرير نفسك من الأعباء الوهمية .