أخطاء قاتلة عند التواصل مع الآخرين!
كم مرة تواصلت مع أحد أصدقائك تشكي له ضغوط العمل أو الأسرة؛ ثم فجأةً تجد نفسك وسط مباراة تنافسية حول من منكما يعاني أكثر، إذ ما أن تسكت لتلتقط أنفاسك، حتى يقبض صديقك زمام الحديث ويبدأ بحكاية معاناته التي تفوق معانتك أو تحاكيها على أقل تقدير.
وكم مرةً أثناء حديث صديق أو زميل كنت منشغلاً عن تفاصيله بتجهيز ردك دفاعا عن موقفك، كم مرةً فكرت في الانسحاب من مجموعة الأسرة أو الأصدقاء على منصات التواصل الاجتماعي بسبب شعورك بالملل من النمط الواحد في الرسائل والتعليقات الذي لا يعجب إلا من يرسل هذه الرسائل. وكم مرةً ترددت في عرض موضوع على زميل عمل أو حتى على مديرك خوفاً من سوء الظن أو النظرة الأحادية المتسرعة في الحكم على الأمور حتى من قبل دراسة الموضوع.
هذه بعض المواقف التي عشناها ونعيشها بشكل متكرر عند تواصلنا مع الآخرين، وهي تعبر عن أخطاء شائعة نقع فيها نحن أو من نعيش ونعمل معهم بسبب قلة الوعي بمهارات التواصل الفعال.
في مقال اليوم نرصد أربعةً من أكثر الأخطاء شيوعاً ونلقي الضوء على آثارها وكيفية تجنبها.
- سوء الظن: لم يعطك مديرك الفرصة للحديث في اجتماع هام، فشعرت بضيق شديد واعتبرت هذا الأمر تجاهلاً منه وفسرته بعدم رغبته في منحك الفرصة للتألق!
هذا أحد المواقف التي تتكرر علينا و أحياناً يسيطر سوء الظن على الموقف، حيث يعبر سوء الظن هنا عن حكمٍ مسبق وصوتٍ داخليٍ “شرير” يفترض الأسوأ في المواقف وفي الآخرين وبناء على هذا الافتراض ترتب داخل نفسك سلسلةً من السيناريوهات أو الأحداث التي تشحنك بمشاعر التوتر و الخوف و التوجس والتي بدورها تدفعك إما للهرب من الموقف من خلال تجنب التواصل المباشر، أو قد تدفعك لاتخاذ استراتيجية الهجوم أفضل وسائل الدفاع، متسلحاً بشكوكك وظنونك وفي كلا الحالتين تكون النتيجة زيادة المسافة بينكما وبناء جدران من القطيعة وقطع سبل التواصل الضروري لاستمرار العلاقة ونجاحها .
لكنك إذا اتخذت موقفاً مبدئياً مبنياً على حسن الظن وافترضت أن مديرك لم ينتبه أو على أقل تقدير ” لم يراعِ ” حقك في الحديث، فهنا ستكون أكثر تقبلاً لفكرة التواصل معه للاستفسار عن سبب تصرفه وربما تحصل على تفسيرٍ للموقف يجعلك تتخذ قراراً واعياً بناءً على “معلومة” تساعدكما على تجنب مثل هذا التصرف مستقبلاً بدلاً من أن تبني موقفك على مجرد مشاعرٍ مبنيةٍ على سوء الظن.
- الكوب الملآن: يشير هذا التعبير إلى قناعات ذاتية لدى الشخص بالاكتفاء معرفياً و شعورياً حول موضوع ما عند التواصل مع الآخرين، مع وجود رأيٍ مسبق أو قناعات أو وجهة نظر تمنعه من تقبل الآراء أو الاقتراحات أو النقد أو العتب، ويشير هذا الأمر الى أمور كثيرة، منها على سبيل المثال افتراض أنك دائما على حق، أو أنك تعرف عن هذا الموضوع أو عن هذا الشخص ما يكفي ولا تحتاج الى الاستماع إلى وجهة نظره التي قد تكون في مصلحة العمل أو في مصلحتك أنت شخصياً، وفكر كم يحرمك هذا النوع من القناعات من فرص التطور والنمو و اكتشاف جوانب مختلف للنظر للأمور، لذلك ضع في اعتبارك عند التواصل مع الآخرين بهدف الوصول الى نتيجة ما إفراغ كوبك من الافتراضات المسبقة أو التعميمات أو القناعات ووجهات النظر التي لا تترك فرصة للتفاهم.
- اعتماد نمط واحد في التواصل للجميع: بعض الأشخاص يتبنى نمطاً واحداً أو طريقة متشابهة عند تواصله مع الآخرين، مهما اختلفت الأعمار أو الثقافات أو التوقعات، ولا يبذل أي جهد لإدخال أية تعديلات على رسالته أياً كان نمط المستقبل لها.
التواصل مع الآخرين فن، ولكل مقامٍ مقال كما أن لكل شخص طريقة و أسلوباً في فهم الاخرين واستيعاب أحاديثهم أو رسائلهم، ويتحدث خبراء التواصل عما يعرف مثلاً ” بالأنظمة التمثيلية “، أي الأنظمة التي نستخدمها عند استقبال أفكار الأخرين و أحاديثهم ونفهمها من خلالها، وهي ثلاث أنظمة رئيسية : سمعي – بصري – حسي، لكل فردٍ منا نظام خاص به يفضله عند التواصل، فمثلاً صاحب النظام البصري يتواصل أكثر من خلال الصور و يحول معطيات الحديث أو التواصل الى صور وهيئات لذلك يتميز بالسرعة في الاستجابة و في الرد وفي اتخاذ القرارات، وعكسه صاحب النمط السمعي الذي يركز في الكلمات ووقعها ويزن الأمور ويأخذ وقته في التفاعل مع الأحداث، ولك أن تتصور ما يحدث عندما يتواصل الاثنان دون إدخال أية تعديلات في طريقة التواصل.
- التركيز على احتياجاتك فقط عند التواصل:
التواصل الفعال مع الآخرين يعني تفاعلاً بين اثنين أو أكثر، أنت لا تتحاور مع نفسك لذا فمهما كان موضوع الحوار أو التواصل لابد من مراعاة احتياجات الآخرين في الطرف الآخر من الحوار، بما في ذلك الأسلوب المناسب في الحديث، اختيار الوقت المناسب، مراعاة ان يكون الموضوع في دائرة اهتمام الطرف الآخر ولتحقيق ذلك نحتاج أيضاً للانتباه إلى ردة فعل الشخص الذي نتواصل معه، نحتاج إلى تفعيل نظام الرادار الخاص بنا: ماذا تقول لغة جسده، ملامح وجهه، نظرة عينيه؟ هل هو مرتاح للتواصل معنا؟ لطريقتنا في التواصل؟ أم أنه يفضل طريقة أخرى أو مشغول أو في حالة مزاجية غير مناسبة أو غير مهتم؟ فهم قد يسمعونك لكنهم لا ينصتون إليك، إما بالتلفت بحثاً عن مخرج من الحوار، أو بالانشغال بالتفكير في الرد عليك خاصة إذا كان محتوى حديثك يحمل لوماً او عتباً أو حتى طلباً.
وختاماً تذكّر أن التواصل مع الآخرين يهدف في نهاية المطاف إلى بناء الجسور واستمرار العلاقات وتبادل المنافع والمصالح، فاجتهد في بناء جسر آمن ورحب يستوعب الآخرين ويصلك الى غايتك.
- المراجع:
- البرمجة اللغوية العصبية – إبراهيم الفقي.
- أنصت: فن التواصل بفاعلية-ديل كارنيجي