سندوتشات تربوية -التربية المالية بالقصص
عندما كنت في الصف الرابع الابتدائي ، كان والدي -رحمه الله و أحسن اليه - يتناوب مع اباء صديقاتي على ايصالنا من المدرسة للبيت ، وكنت أنا و صديقاتي نشعر بالكثير من السعادة حين يحين دور أبي ، وذلك لأن الرحلة معه كانت تجربة لا تنسى ، كان يحتفظ بالكثير من الحلويات و النقود في سيارته و يوزعها علينا كجوائز على إجابتنا على الأسئلة التي كان يطرحها ويسلينا بها طيلة الطريق ، وكانت هناك فقرة ثابتة نحبها تبدأ بقوله : عندما كنت في مثل عمركم حدث لي كذا وكذا ، وغالبا ما تكون قصة لطيفة عن تجربة له مع المدرسة أو والديه أو حتى مع اصدقائه .
هذه الذكرى هي أول ما ورد في خاطري و أنا أكتب هذا المقال عن أهمية القصص في التربية المالية ، ربما لأننا في أجواء بداية العام الدراسي ، لكن الحق يقال أنه رغم الأيام والسنين لم أنس أبدا رحلة العودة من المدرسة مع والدي – رحمه الله – ولم أنس تلك القصص،
و بعد أن كبرت وأصبحت أماً أدركت كيف أن أبي رغم انشغاله الكبير ، كان يستغل هذه الرحلة القصيرة لزرع بذور المعرفة والقيم في نفوسنا .
ولم تقتصر قصص والدي التربوية على رحلة المدرسة ، بل كان ينتهز كل فرصة أو موقف ليستشهد لنا بتجربة تخصه أو تخص أحدا يعرفه ، ويختم دائما القصة بقوله : الشاهد في الموضوع أن كذا وكذا ، حسب الرسالة التي يريد أن يوصلها لنا.
وكان يسمي مثل هذه القصص بشواهدها : سندوتشات تربوية .
والحق يقال أن هذه السندوتشات بقيمتها العالية من الدروس و التجارب أثرت الكثير من جوانب حياتي وحياة إخوتي .
لكن لماذا القصص ؟
قصصنا العائلية مثل خريطة طريق واضحة مجربة ترشد أبناءنا نحو مستقبل مالي مستقر. خاصة أن المعلومات والمهارات المالية الشخصية ليس لها نصيب كبير في مناهج الدراسة ،
و عندما نشاركهم تجاربنا، سواء كانت نجاحات مالية أو تحديات واجهناها، فإننا نمنحهم فرصة فريدة لاكتساب قيم ، معلومات ومهارات حول المال وإدارته. هذه القصص ليست مجرد حكايات، بل هي كنوز من الحكمة والتجارب التي نرغب في أن يستفيد منها أبناؤنا لبناء مستقبلهم المالي ,
تخيل معي أن تحدث أبناءك عن أول وظيفة لك وكيف تعلمت قيمة العمل الجاد.
عن خطأ مالي ارتكبته وكيف تعلمت منه.
عن استثمار ناجح قمت به وكيف حققت أرباحًا.
عن مشروع صغير قمت به في طفولتك وكيف علمك أساسيات التجارة .
عن شكل حياتك أنت و أمهم في بدايات زواجكم مع مرتب قليل و خبرة أقل في ادارة الحياة ،
ما الذي ساعدكم على الاستمرار والنجاح و تحقيق الأهداف .
عندما تحكي قصتك فأنت تفتح قلبك لطفلك ، وتبني معه روابط عميقة بدلاً من مجرد إعطاء نصائح جافة ، ومن منا لا يحب أن يسمع قصة خاصة اذا كانت حقيقية ومن شخصية لها مكانة خاصة مثل (الأم أو الأب)
وهذه خلطة مجربة لقصص تربوية فعالة:
حدثهم عن طفولتك : مغامراتك الصغيرة لزيادة مصروفك أو لاقناع والديك لشراء لعبة معينة ، الأطفال يحبون أن يعرفوا انك كنت طفلا مثلهم لك تحديات ومشاكل مشابهة و كيف تجاوزتها .
ركز على القيمة التربوية للقصة : ماهي الرسالة التي تريد ان توصلها لأولادك : تنظيم الصرف ، تحمل المسؤولية ، العطاء ..الخ .
احك من قلبك : كن حاضرا وأنت تحكي القصة ، بنظراتك حركات يديك و نغمة صوتك وتعبيراتك وكأنك تعيد تمثيل القصة ، مهما كان موضوع القصة ، اجعل لحظة الحكاية لحظة والدية بامتياز ،كلها فرح و بهجة وضحك .
و اخيرا ، تذكر وانت تشارك تجاربك في الحياة مع ابنائك أنك لا تروي لهم مجرد حكايات، بل تبني أساسًا متينًا لمستقبلهم المالي. تمامًا كما فعل معي أبي -رحمه الله -عندما كان يروي لي قصصه وتجاربه ،فأنا الآن أروي لأبنائي قصصي الخاصة، وأرى في عيونهم نفس اللمعة التي كانت في عيني عندما كنت طفلة صغيرة.
#في الصورة والدي -رحمه الله-مع ابنتي ندى وسندوتش تربوي مع العيدية